الأحد، 15 سبتمبر 2013

إنهم يخافون

علمتني جدتي وأنا طفل لا يكاد يجمع في فمه حروفه أن الخوف فضيلة، وأن من خاف سلم ومن تجاسر فاتته المغانم. وكبرت فتعلمت من مناهج التاريخ فلسفة التقية، وحين تأملت كف عم أنور مخبر الحي، أدركت بأن التنازل عن الحق فضيلة. ومشيت إلى جوار الحائط كما علمني أبي حتى أدمت المسامير العابثة جسدي النحيل. وكنت أحمد الله على أنني مجرد رقم في فواتير الوطن صباح مساء، وأقبل ذا الجدار وذا الجدار، ليس حبا فيمن سكن الديار ولكن لأن آذان الحائط لم تفش أسراري أبدا المخجلة. وظللت وفيا للخوف حتى كبر وكبرت. وحين كبرت، أدركت أن الناس جميعا في الخوف شرق، وأن لا فضل لعربي على عربي إلا بالخوف.
لكنني لم أكن أعلم أن أبناء الغرب يخافون كمثلنا حتى قرأت مقالا مدهشا صباح اليوم يفضح ملامحهم الباهتة. صحيح أنهم لا يخشون الفيتو العربي ولا السارين العربي ولا المعتقلات العربية، ولا يخافون هدير الطائرات ودوي الانفجارات وجنازير الدبابات وكف عم أنور. لكنهم يخافون، وهذا يكفي. ألا تشعر بالزهو أيها العربي المذعور مثلي أن تعلم أننا نشترك مع أصحاب المدن الحربية العائمة فوق مياهنا الإقليمية في مهانة واحدة؟ 
يقول المقال أن كثيرا من الغربيين يخشون الجمعات، ويخشون الرقم 13. وأنهم يرتعبون من كل جمعة تحمل هذا الرقم، ويعتبرونه نذير شؤم، فمنهم من يوقف تجارته ويلزم بيته، ومنهم من يمتنع عن استقبال الضيوف، ومنهم من يلغي سفره تحسبا لما قد تأتي به ريح تلك الأيام النحسات. ولحسن حظ الغربيين لا يجتمع الخوفان في قلوبهم إلا مرتين في كل عام.
لكن الغربيين لا يخشون الجمعات لنفس السبب الذي نخشاها لأجله. فجمعاتهم ليست كرنفالات عنف كجمعاتنا، وميادينهم في أعقاب الجمعات صامتة كالقبور. ورجالهم لا يجيدون صناعة قنابل المولوتوف، وأكف مخبريهم ليست غليظة ومشققة.  لكنهم يخشون الجمعات لأسباب في نفس سام كرستها الخرافة والتقاليد. نعم الخرافة، فلديهم خرافاتهم المتوارثة كمثلنا تماما. يقول الغربيون أن عيسي قتل وصلب يوم جمعة، وأن مياه الطوفان بدأت تفيض يوم جمعة، ولهذا تراهم يمتنعون عن الصيد في الجمعات، وهو ما دفع البحرية البريطانية إلى اختيار أحد قباطنتها يوم جمعة للإبحار بإحدى سفن الأسطول الإنجليزي يوم جمعة، ومن المؤكد أن لقب "فرايداي" في إسم القبطان لم يكن مجرد مصادفة. لكن البحار فرايداي ذهب إلى البحر ولم يعد، مما أوقف المخاوف في قلوب الغربيين على أرض تَطَيُّر صلبة.
أما الخوف من الرقم 13، فلا يعود قطعا إلى فيلم "امسك حرامي" لأن الغربيين لا يشترون أفلامنا عادة، ولا يخصصون قنوات فضائية لمشاهدة قصصنا المسروقة كثيرا. ولكن التراث اللاهوتي يقول بأن عدد الجالسين على مائدة عيسى الأخيرة كانوا ثلاثة عشر حواريا، وأن الضيف الثالث عشر هو جوداس الذي خدع عيسى وتآمر عليه. لهذا، يتجنب المحتفلون دعوة ثلاثة عشر صيفا، وإلا قاموا بدعوة أي رابع عشر يمر ببابهم. لهذا، وجب عليك أيها العربي الطيب أن تكون أول الحاضرين إلى أي حفل تدعى إليه في بلاد الفرنجة حتى لا تكون رقما غير مرغوب فيه على طاولة اللئام.
ولا تتعجب صديقي إن استقللت مصعدا في إحدى الفنادق الفارهة في أكثر بلاد العالم تقدما وعددت الطوابق فوجدتها تنقص طابقا، فأصحاب البنايات العملاقة يتجنبون الرقم 13 لأن نزلاء الفنادق هناك لا يمتلكون شجاعة القبطان فرايداي ولا يرغبون أن يلاقوا مصيره. وإن ذهبت إلى أحد المطارات فلم تجد بوابة تحمل الرقم 13، فلا تظنن أنك أخطأت العد، فمصمموا المنشآت في بلاد العم سام أدرى بشعاب الخوف بين أهلها.
الغربيون يخافون كما نخاف، لكنهم لا يخافون منا، فنحن لا نملك قمحا لنهدد به صوامعهم، ولا أساطيل بحرية نحاصر بها مدنهم، ولا فيتو نعطل به مشاريعهم الاستعمارية العملاقة. لكن المضحك المبكي أن تجد زعيما بحجم أوباما يتحدث عن زعيم بحجم بشار ويقول أن استخدامه للأسلحة الكيميائية يمثل تهديدا للعالم الحر. قد نصدق أن بشارا ولد يوم جمعة، وأنه جمعته وافقت الثالث عشر من أي شهر ميلادي، لكننا لن نصدق أن العالم الحر يخشى بشارا. هذا كثير!
عبد الرازق أحمد الشاعر
أديب مصري مقيم بالإمارات





 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق